لا تزال مخلصة لـ”الحلم الأوروبي” منذ دخولها عالم السياسة عام 2005 حتى اليوم. تدافع عنه بشراسة، وأحدث مظهر لذلك عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات التشريعية، واتهام روسيا بالتلاعب بأصوات الناخبين.

     إنها رئيسة جورجيا سالومي زورابيشفيلي، التي حثّت الدول الأوروبية على التدخل لمنع “انزلاق” بلادها نحو روسيا، وقالت في مقابلة مع راديو “أوروبا الحرة”، الثلاثاء: “يعتمد الكثير الآن على ردود أفعال شركائنا، ومدى دقة رد فعلهم، ومدى قوة ضغوطهم على السلطات، لأنني أعتقد أن لا أحد يستطيع أن يتحمل خسارة جورجيا أمام روسيا بهذا الشكل”.

    زورابيشفيلي (72 عاماً) اعتبرت أن “شركاء جورجيا الأوروبيين والغربيين، بحاجة إلى ممارسة ضغوط شديدة على السلطات حتى تعيد النظر في نتائج الانتخابات، وتراجع عدد الأصوات التي سُرقت”.

    “الحلم الجورجي” هو اسم الحزب الحاكم، الذي يتهمه حلف المعارضة في البرلمان المؤيد لانضمام جورجيا إلى الاتحاد الأوروبي، بإعادة البلد إلى محور روسيا.

    وفي الجمهورية الديمقراطية الواقعة غرب آسيا إلى الجنوب من روسيا، يظهر شعار “القوة في الوحدة” بأعلى علمها الرسمي، وذلك في ظل انقسام سياسي حاد بين أبنائه لتحديد حليفهم: الغرب أم وروسيا؟

    نتائج انتخابات جورجيا وليتوانيا تكشف تحركات خفية لـ”يد روسية”

    مع خروجهما من انتخابات نهاية الأسبوع، برز نقاش حول التهديدات والتدخلات الروسية في اثنتين من دول الاتحاد السوفييتي سابقا، هما جورجيا ولتوانيا.

    أوروبا البعيدة

    بعد اتهامات التزوير التي طرحتها زورابيشفيلي وتحالف أحزاب المعارضة الموالي لأوروبا والولايات المتحدة، أعلنت النيابة العامة في جورجيا فتح تحقيق سيتم خلاله استدعاء رئيسة البلاد غداً الخميس، كي توضح تفاصيل هذا الاتهام.

    وبحسب النتائج شبه النهائية، نال الحزب المسيطر على البرلمان منذ 2012، حوالي 54% من أصوات الناخبين، مقابل نحو 38% لتحالف المعارضة.

    تقول زورابيشفيلي إن نتائج الانتخابات “غير شرعية”، وتعتبرها “عملية روسية خاصة”، وهو ما يرفضه الكرملين، وحتى التحقيق في قضية “التزوير والتلاعب بأصوات الناخبين”، يرفض حلفاء أوروبا في جورجيا الاعتراف بالنتائج.

    وتقدمت جورجيا بطلب رسمي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2022، وتم تعليق الطلب هذا العام 2024، وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على مسؤولين جورجيين، على أثر إقرار قانون “العملاء الأجانب” في مايو الماضي، الذي أثار جدلاً واحتجاجات عارمة ضده داخل البلاد.

    ويُلزم القانون المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام التي تتلقى أكثر من 20% من تمويلها من جهات خارجية، بالتسجيل في سجل خاص تحت مسمى “منظمات تسعى لتحقيق مصالح قوة أجنبية”. قالت الحكومة إن هدفه “تحقيق الشفافية في التمويل الأجنبي”

    بينما رآه المعارضون سبيلاً “لقمع المعارضة ووسائل الإعلام المستقلة” معتبرين أنه مستوحى من قانون روسي أقرّ سنة 2012 بنفس الاسم، تقول موسكو إنه تهدف منه إلى “منع التدخل الأجنبي وحماية الأمن القومي”.

    “لا تخسروا جورجيا لروسيا”.. رئيستها توجه نداء للغرب

    وتوجه اتهامات في جورجيا، خاصة من المعارضة، لروسيا، وتتهمها بالـ”تدخل” في الانتخابات الأخيرة التي جرت السبت الماضي.

    من هي زورابيشفيلي؟

    ولدت سالومي زورابيشفيلي في 18 مارس 1952 في العاصمة الفرنسية باريس، لعائلة لاجئة سياسياً فرّت من جورجيا بعد الغزو السوفييتي للبلاد عام 1921، وضمها إلى الاتحاد الذي انهار عام 1991.

    تزوجت مرتين، استمر الزواج الأول بين 1981 و1992، والثاني بين 1993 و2012 وانتهى بوفاة زوجها، ولديها من الأبناء اثنان.

    زورابشفيلي أول امرأة تتولى رئاسة جورجيا، وخامس من يشغل المنصب، كان والدها ليفان زورابيشفيلي، شخصية بارزة في الشتات الجورجي، بينما كان جدها الأكبر من جهة الأم، نيكو نيكولادزه، سياسياً واجتماعياً بارزًا في أواخر القرن التاسع عشر.

    درست في معهد العلوم السياسية في باريس، ثم التحقت بمدرسة الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا الأميركية بمدينة نيويورك.

    بدأت زورابيشفيلي مسيرتها الدبلوماسية مع وزارة الخارجية الفرنسية عام 1974، حيث شغلت مناصب مختلفة بما في ذلك مهام في إيطاليا وتشاد والولايات المتحدة. وفي عام 2003، عُينت سفيرة لفرنسا في بلد آبائها وأجدادها، جورجيا.

    وبعد حصولها على الجنسية الجورجية، تولت زورابيشفيلي منصب وزيرة الخارجية بين عامي 2004 و2005، وفي هذه الفترة القصيرة، لعبت دوراً محورياً في التفاوض على انسحاب القواعد العسكرية الروسية من بلادها.

    بقيت في جورجيا، لتقود الحزب السياسي “طريق جورجيا” بين الأعوام 2006 و2011، وتعمل في التدريس الجامعي، ثم عملت في مركز للدراسات السياسية في باريس عام 2015، كما ورد في ملف السيرة الذاتية المنشور على الموقع الرسمي للرئاسة.

    وعام 2016 حازت على مقعد في البرلمان الجورجي كمرشحة مستقلة، وبعدها بعامين ترشحت للرئاسة لتفوز بنسبة 59% من أصوات الناخبين، وتصبح أول امرأة تقود البلد القوقازي الذي يخضع لنظام شبه رئاسي.

    جورجيا.. فصل آخر في “معركة الديمقراطية والديكتاتورية”؟

    أدلى الجورجيون بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 26 أكتوبر

    هذه الانتخابات ينظر إليها كثيرون على أنها حاسمة لمستقبل جورجيا المنقسمة بين معارضة مؤيدة لأوروبا وحزب حاكم موال لروسيا ومتهم بالانحراف نحو السلطوية. وليس خافيا الجهود الروسية للتأثير على هذه الانتخابات.

    تميزت فترة ولاية زورابيشفيلي بمحاولاتها لتوجيه جورجيا نحو مستقبل أوروبي، مما وضعها في كثير من الأحيان في مواجهة مع الحزب الحاكم، الذي اتهمته بتبني أساليب روسية، وفق ما أورد تقرير لرويترز نُشر الاثنين الماضي. 

    وقبل أشهر استخدمت حق النقض الفيتو لإبطال قانون “العملاء الأجانب” المذكور سابقاً، إلا أن البرلمان كان يملك أغلبية تتعدى تأثير قرارها.

    وفي بداية أكتوبر، رفضت زورابيشفيلي المصادقة على قانون “القيم الأسرية وحماية القاصرين”. الذي سعى “الحلم الجورجي” لإقراره، بعد تصويت أغلبية البرلمان في 17 سبتمبر الماضي عليه.

    وقالت جماعات حقوقية وقوى معارضة عن هذا القانون إنه يحد بشكل كبير من حقوق مجتمع الميم في جورجيا.

    ومن أبرز تصريحاتها، ما قالته حول مسيرة “الفخر” لمجتمع الميم في العاصمة تبليسي عام 2019: “أنا رئيسة للجميع، بغض النظر عن التوجه الجنسي أو الانتماء الديني. لا ينبغي التمييز ضد أي إنسان”.