الشارقة 24: 

    نظم النادي الثقافي العربي في الشارقة مساء الجمعة، أمسية احتفائية بالزميل الكاتب يب مولاي حسن، الباحث في إدارة الدراسات بدائرة الثقافة، بمناسبة فوزه بجائزة “شنقيط للآداب”، لعام 2024 عن روايته “نقوش مسوفية”، وهذه الجائزة هي أكبر جائزة أدبية موريتانية.

    وقال الدكتور عمر عبد العزيز: “إن هذا الاحتفاء يأتي في إطار ما درج عليه النادي من تثمين النجاحات التي يحققها روّاد النادي وأصدقاؤه في المجالات الثقافية، وفي إطار التزامه كناد عربي مهتم بكل ما يرفع من شأن الثقافة العربية، وشأن كتابها وأدبائها سعياً لإعلاء شأنها، وهو الهدف السامي الذي يوجه به صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، النادي وكل مؤسسات وصروح الثقافة، في الإمارة”.

    وثمن الدكتور عمر عبد العزيز، الرواية وعوالمها التي تقدم عوالم سردية جديدة على القارئ العربي، وتعرفه بجوانب من المجتمع والحضارة في موريتانيا، بأسلوب روائي سلسل وأصيل في ذات الوقت.

    وتحدث في الجلسة الكاتب الصحفي محمد بابا حامد، الذي قال إن رواية “نقوش مسوفية”، الصادرة عن دار تموز ديموزي السورية، تقدم: “فضاء روائياً ممتداً مشبعاً بالحكايات والرمزيات الأسطورية ومآثر الناس، وإن مدخلها السردي مغْرٍ حين يقول: “في مساءات الربيع المبتسمة، على أفق صقيل ونسيم منعش، تنداح السماء صافية، تهفو شوقاً إلى ملامسة وجه ولاتة” ، فوجه ولاتة هذه المدينة التاريخية العريقة، هو نفحة أسطورية من ضياء التاريخ، ونسخة محفورة من الرؤيا، وسياحة مطلقة تختزن ملامح الأمكنة، أودعها الولاتيون سحر الحضارة، وجمال العلم في مجالسها الرزينة، ومخطوطاتها الثمينة وأطياف مزارات أوليائها المحيطة، فتشكلت خرزة صافية وسط الرمال تحمل براءة الصحراء ونقاء وجهها وطراوة تفكيرها، فالولاتيون زركشوا بنقوشهم المسوفية الوديعة الوجه الشاحب للسوافي، فروضوا المزاج البدوي ومنحوه مسحة حضرية رائقة العمران، ألهمت أهلها كما ألهمت علوات في “علب أرگاد” بطل الرواية، فأصبحت عينه حبراً سائلاً تدون المرئيات والخواطر عن المكان”.

    وعن المكان في الرواية قال محمد بابا حامد: “توظف الرواية كل عناصر المكان، وبلغة تصل إلى الشعرية أحياناً، تتدفق الصور، متشربة بفلسفة المدينة المسالمة، تحمل العديد من المشاهد، تميس فيها القوافل محملة بالملح والتمر والحاجات، تدور في الفضاء المجاور مسيرة عشرة أيام على ظهور الإبل، ما بين حواضر تنبكتو وتيشيت، والآبار الموغلة في الصحراء، تنساق فيها الأحاديث لمألوف الرحلة، مقدمة نصاً موازياً يختزل بعد المسافات، ويبدع الكاتب يبّ حسن في وصف الشخوص وتغليفها بمناخ نفسي تكتشف من خلاله تفاصيلها ومكنوناتها، مثل ما فعل في وصف “بادي”: “يأوي إلى ركن شديد من الهدوء، ورثه عن خبرة راسخة في هذا المنكب القصي على الأغيار، يجاور الناس بأنس عميق، مستلقياً على جنبه الأيمن، معتمداً على مرفقه الذي آثر مقارعة الأرض”.

    وأضاف: “في صفحات هذه الرواية جُلتُ في جماليات البيت الولاتي، وفي مناخات الصحراء المجاورة.. هذه المدينة التي مكث الرحالة ابن بطوطة فيها زهاء شهرين، حيث كانت واحة مهمة في التجارة عبر الصحراء.. ومازال عمرانها شاهداً على فسيفساء التواصل الحضري لمختلف الثقافات الأندلسية والإفريقية وظلت أحوازها مستهلة الدمع شجناً على أطلال ومقامات زاخرة بالمرويات عن أوليائها وعلمائها”.

    وعن أبعاد ودلالات الرواية قال محمد بابا: “هذه الرواية تسريد لحقبةٍ تاريخيةٍ صاخبةٍ، من تاريخ المجتمع الموريتاني وثقافته، وتقاليده وهواجسه وأسئلته، وما أنتجتْه مخيلتُه الجمعية.. حيث تنحتُ الرواية عنوانَها من الإرث العتيق، لقومية مسوفة الصنهاجية المعروفة، وتنطلق في بنائها القَصصي من مدينة “ولاتة” التاريخية، بوصفها خلفيةً لمسرحٍ جامعٍ؛ ضاجٍّ بالأصوات والأحداث والصراع والتحول، وتمتدّ إلى أكثرَ من مدينة، عبرَ حديث القوافلِ السّيّارةِ، والتفاعلِ والتواصل الفعال.. تتلمّسُ نقوشَ بيوت الطين الحمراء، وتجوب الصحارى الشاسعة، تسائل نَاسَها، وتختزلُ بأسلوب الحكي السردي حِقَباً مِن مألوف الناس وغَريبهِم وطقوسهم وتراثهم، كما تسترجع الرواية مواقفَهم القوليةَ والفعليةَ من سؤال الحياة وأهدافها، والعلاقة مع الأرض وأهلها، وتُقارِبُ تصورهم لخصوصية ذلك الزمان، وتشبثهم بالمكان رغم يومياتهم المحاطة بظلال المستعمر المتمكّنة، في ظرفية تاريخية عاصفة ومليئة بالأحداث”.

    وختمت الأمسية بمداخلات الحضور الذين أثنوا على جهد الكاتب، واتفقوا على أن رواية “نقوش مسوفية” استحقت جائزة شنقيط للآداب، لما قدمته من عوالم روائية جديدة، وما كشفت عنه من غنى وتنوع حضاري وعمق تاريخي في مدينة ولاته، بأسلوب سردي بالغ الجمال والتأثير.