الدوحة في 27 أكتوبر /قنا/ أكد عدد من رسامي الكاريكاتير أن فن الكاريكاتير يعبر عن التفاعل مع محيطه المجتمعي، منذ بواكير نشأته، حتى أصبح يلامس واقع الجمهور، ويعبر عن طموحاته، فضلا عن تكيفه مع مسارات التحول التكنولوجي، التي كانت أحد أبرز الأسباب الداعمة لتطوره، لا سيما المنصات الرقمية، التي ساهمت في انتشار أعمال الفنانين، وظهور أشكال جديدة من هذا الفن.

    ويتفق عدد من الرسامين، في تصريحات لوكالة الأنباء القطرية “قنا”، على أن هذا التطور ساهم في رفد المشهد الفني بجيل جديد من الموهوبين في فن الكاريكاتير، الذين حرصوا على تنمية مواهبهم، وإنجاز أعمال متنوعة، ترتبط بالمجالات المتعددة لهذا الفن.

    وفي هذا السياق، استعرض رسام الكاريكاتير والفنان التشكيلي سلمان المالك، الحائز على جائزة الدولة التشجيعية في مجال الفنون والآداب فرع فن الكاريكاتير في دورتها الخامسة لعام 2015 / 2016، مسار فن الكاريكاتير، مشيرا إلى أنه ظهر مع الحضارات القديمة، حينما كان يعبر أبناؤها برسومات على جدران الحوائط وفي الصروح المختلفة عن كل ما يهمهم، والتعبير عن الواقع المعاش، إلى أن تطورت الفكرة مع ظهور الطباعة، وانتشار الصحف والمجلات الورقية، لتعبر عن واقع الحياة برسومات تستقطب على إثرها جمهور المتلقين، انطلاقا من فكرة فن الكاريكاتير ذاته بأنه يلامس الواقع، ويعبر عن حال أفراد المجتمع الذين يتوجه إليهم، كونه فنا شعبيا، تلخص صورته وعبارته مادة صحفية كاملة.

    واستحضر المالك بواكير نشأة فن الكاريكاتير القطري، وانطلاقته مع نشأة الصحف والمجلات القطرية في مطلع عقد السبعينيات من القرن الماضي، خاصة مع صدور مجلة “العروبة”، وصحيفة “العرب”، حيث كانت له في الأولى تجارب محدودة، عندما كان يرفدها أثناء دراسته في المرحلة الإعدادية برسومات، يستخدم فيها القلم العادي، لافتا إلى أن صحيفة “العرب” كان لها نصيب في بواكير نشأة فن الكاريكاتير، من خلال رسومات الفنان التشكيلي يوسف أحمد، غير أنه لم يستمر طويلا في هذا المجال، بعدما تغلب الفن التشكيلي على أعماله.

    وقال المالك إنه كان لإصدار صحيفة “الراية” أسبوعيا في عام 1979 حضور أيضا في نشأة فن الكاريكاتير؛ إذ كان ينشر بها بعض الرسومات الكاريكاتيرية المصاحبة للموضوعات الصحفية، واستمر على هذه الحالة إلى أن تحولت الصحيفة للإصدار اليومي في عام 1982، فكان ذلك إيذانا بمرحلة تطور جديدة في مسيرة فن الكاريكاتير القطري، بتخصيص الصحيفة صفحة “الجمعة” أسبوعيا، والتي كان يشرف عليها، حيث كانت هذه الصفحة بمثابة استقطاب لمواهب جديدة في فن الكاريكاتير، فكانت شاهدة على ميلاد فنانين من أمثال عبدالعزيز صادق وأحمد هلال.

    وتابع أن التوسع في إصدار الصحف، شكل مرحلة أخرى من مراحل تطور فن الكاريكاتير القطري باستيعاب مواهب فنية جديدة، وسرعان ما اتسع الأمر، مع التطور التكنولوجي، وظهور المنصات الرقمية، التي كانت نافذة أخرى لاستيعاب فنانين جدد، لافتا إلى أن مؤسسات المجتمع المدني كان لها أيضا دور في نشأة فن الكاريكاتير مثل نادي الجسرة الثقافي الاجتماعي، عندما نظم معرضا فنيا له في عام 1982.

    ومن جانبه، حدد رسام الكاريكاتير عبدالعزيز صادق، والذي رسم بعدة صحف قطرية وشارك في معارض فنية مختلفة، نوعية الرسومات التي تماثل فن الكاريكاتير قديما، حينما كان يمارسها الإنسان في الحضارات القديمة عبر جدران الكهوف، وفي الصروح المختلفة، وما اتسمت به من أشكال مختلفة، منها ما كان في صورة حيوانات ساخرة، أو أخرى مستوحاة من البيئة، على نحو ما رسمه المصريون القدماء داخل صروحهم، “وكلها رسومات كانت تعكس وضعا اجتماعيا، كان يعبر عنه الفنان بطريقة فنية ساخرة”.

    وقال: إن فن الكاريكاتير شهد تحولات أخرى لاحقة، مما جعله يتخذ أنواعا عدة، خاصة مع بدايات العصر الحديث، مع ظهور الطباعة، وانتقال رساميه إلى العمل في الصحف، والتعبير عن واقعهم المحيط، عبر رسومات عكست أوضاعا حياتية مختلفة، بالإضافة إلى رسومات أخرى تعرف بـ”البورتريه”.

    وأضاف أن الصحف المصرية اتخذت شهرة في هذا المجال، حيث انتشر على صفحاتها فن الكاريكاتير، ومنها ساهم فنانون في انتشاره بالصحف العربية، مما كان دافعا لإلهام أجيال جديدة من رسامي الكاريكاتير في الدول العربية، بظهور أجيال ناشئة، سرعان ما تبوأت مكانتها، لتكون لها إسهاماتها في صحفها المحلية، بإنجاز أعمال فنية، تتفق مع السياق العام لفن الكاريكاتير، إلى أن اتخذت مسارات أخرى احترافية.

    وأوضح أنه مع التطور التقني، ظهرت أشكال جديدة للكاريكاتير، منها الرسوم المتحركة، وأخرى تعرف بالقصص المصورة، أو “فن الكومكيس”، لافتا إلى أن “كل هذه الأشكال أنتجت مدارس مختلفة لفن الكاريكاتير، انتشرت في أنحاء عدة من العالم، غير أن أشهرها هو الكاريكاتير الساخر، المنتشر في الصحف، متخذا من موضوعات مختلفة مادة له، سواء كانت اجتماعية أو رياضية أو اقتصادية أو سياسية”.

    وعن أبرز التحديات التي تواجه رسامي الكاريكاتير، يرى الرسام عبدالعزيز صادق أنها تكمن في تفسير المتلقي للرسومات الفنية، لا سيما تلك التي يتم نشرها عبر المنصات الرقمية، حيث تتباين تجاهها تفسيرات المتلقين، “مما يتسبب في ضغوط للفنانين، والدخول في مناقشات عبر المنصات الرقمية، لكن مع ذلك، تساهم هذه المنصات بشكل كبير في سرعة نشر العمل لفئات عديدة من الجمهور”.

     

    وحول أسباب انتقال قطاع كبير من رسامي الكاريكاتير من وسائل الإعلام المقروءة إلى المنصات الرقمية، أكد رسام الكاريكاتير حسن المطوع أن ذلك تم بشكل كبير، نتيجة لسرعة المنصات الرقمية، فضلا عن الإيقاع السريع للحياة، “والذي جعل الناس أكثر إقبالا على كل ما هو سريع، حيث تحقق المنصات الرقمية للفنانين السرعة والانتشار، غير أنه مع ذلك لا يمكن الاستغناء عن الإعلام التقليدي، سواء كان مرئيا أو مسموعا أو مقروءا”.

    وفيما إذا كان لهذا الانتقال تأثير على الموضوعات التي يطرحها رسامو الكاريكاتير. قال: إن قارئ الصحيفة الورقية يكاد يكون مختلفا عن المتابع للمنصات الرقمية؛ إذ إن الأخير ليس لديه وقت للتعمق فيما تطرحه الصحيفة الورقية من رسومات، عكس تلك التي تقدمها المنصات الرقمية، حيث تبدو فيها الصورة أكثر حضورا، علاوة على العبارات المحدودة، والتي قد يلجأ إليها رسامو الكاريكاتير.

    وأضاف أن أغلب القضايا التي يطرحها رسامو الكاريكاتير عبر المنصات الرقمية تتنوع بين الجوانب الاجتماعية، والخدمات الأساسية المتعلقة بالمتلقي ذاته، إذ إن الرسام ابن بيئته، يعبر عنها، ويواكب طموحات أفرادها، ويكون ذلك بطريقة تتنوع بين الفكاهة والحزن، أو السخرية أحيانا، حيال رغبته في طرح حلول لإحدى القضايا المثارة، بلغة متزنة، معتمدا في ذلك على ذكائه في طرح الحلول لهذه القضايا، كما أن أداة الرسم القوية التي يستخدمها فنان الكاريكاتير في التعبير عما يحيط به، لا بد أن تتسم بمعايير مهنية وأخلاقية.

    ورأى المطوع أن رسام الكاريكاتير استفاد من المنصات الرقمية، التي حققت لأعماله سرعة وانتشارا أكثر، في ظل ما يعتمد عليه الرسام في تقديم منتج يتضمن لغة بصرية مميزة، قادرة على الوصول بسهولة وسرعة إلى المتلقي، نتيجة لتعدد المنصات الرقمية، والتي واكبت بدورها التطورات التقنية بحضورها عبر الهواتف الذكية، والأجهزة اللوحية.

    وحول الطموحات التي يسعى إليها رسامو الكاريكاتير، أعرب رسام الكاريكاتير جاسم الكعبي عن أمله في وجود كيان يجمع رسامي الكاريكاتير، سواء كان ذلك في شكل جمعية أو ملتقى، ليكون مظلة جامعة لهم، أسوة بمبدعي الأجناس الأدبية والفنية الأخرى، خاصة أن فن الكاريكاتير يحظى بشعبية كبيرة، وله حضور لافت بين جمهور المتلقين، سواء عبر الصحف، أو من خلال المنصات الرقمية.

    وقال: إن هناك جيلا صاعدا من رسامي الكاريكاتير، خاصة عبر المنصات الرقمية، يحتاج أفراده إلى دعم وتوجيه، وذلك بصقل الأدوات الفنية، وتنمية مواهبهم، بالشكل الذي يحدد المعايير الصحيحة لهذا الفن أمامهم، خاصة عبر المنصات الرقمية، مع حضورهم اللافت من خلالها، لتكون الممارسة وفق معايير فنية ومجتمعية.

    وعن المواصفات التي ينبغي لرسام الكاريكاتير أن يتميز بها، حددها الكعبي في ضرورة أن يكون الرسام متمتعا بخيال واسع، حتى يقدم فكرته مرسومة لمتلقيه، إذ إن هذه الرسمة قد تغني عن مقال أو موضوع صحفي موسع، مما يعكس أهمية تركيز الرسام في لوحته الكاريكاتيرية، علاوة على التمتع بالموهبة الفنية القادرة على ترجمة أفكار الرسام إلى لوحة فنية معبرة.

    وفيما إذا كان رسامو القصص المصورة عبر المنصات الرقمية يواجهون تحديات، استبعدت الرسامة فاطمة النعيمي، المتخصصة في “فن الكوميكس”، ذلك، معتبرة أن هذه المنصات “سهلت من انتشار رسامي الكاريكاتير، وحققت لهم التواصل مع الفنانين الآخرين لتبادل الخبرات”، واصفة فن الكاريكاتير وأشكاله المختلفة بأنه “فن عالمي يفهمه الجميع، لبساطة فكرته، التي تتسم بالعمق في الوقت نفسه، ولذلك يمكن فهم رسالته واستيعابها بسهولة”.

    وشددت على أهمية التوسع في إقامة معارض لفن الكاريكاتير، لدورها الكبير في تنمية المواهب الفنية، على غرار معارض نادي الجسرة الثقافي الاجتماعي، التابع لوزارة الثقافة، والتي ينظمها لهذا الغرض، حيث سبق لها المشاركة في عدة معارض لفن الكاريكاتير بنادي الجسرة، كان آخرها معرض “فن الكوميكس”، وقدمت خلاله قصصا مصورة، عبارة عن ترجمة مرسومة لسيناريو مكتوب يتم التعبير عنه بسرد قصصي.

    وأكدت النعيمي أن “مثل هذه المشاركات تثري المشهد الفني بالدولة، وتلقي الضوء على جوانب أخرى من فروع فن الكاريكاتير، مثل “فن الإنيمي”، وهو الفن الذي تركز فيه جهودها، عن طريق إنجازها لوحات تحمل قصصا قصيرة، من وقع الخيال، حيث يعد هذا اللون من الفنون أحد أنواع الرسوم المتحركة التي تتميز ببساطتها، وتعبر عن شخصيات نابضة بالحياة، يلعب فيها الخيال دورا لافتا.