بعد مرور نحو أسبوع على العملية العسكرية التي نفّذها سلاح الجو الإسرائيلي في إيران، واصل الغرب محاولاته تظهير ما يعتبره «أضراراً إستراتيجية» ترتّبت على الهجوم. ومن هنا، انشغلت الأوساط الإعلامية الغربية بتحليل صور جوية مزعومة لمواقع إيرانية عدة، تم اتخاذها في فترتَي ما قبل عملية «أيام الرد»، وما بعدها. وقالت صحيفة «واشنطن بوست»، في هذا الإطار، إنّ معطيات الصور الجوية التي وفرتها شركة «Planet Labs»، تحمل دلالات على «تضرّر منشآت دفاع جوي، من بينها موقعا رادار، إضافة إلى ما لا يقل عن ثلاث منشآت لإنتاج الصواريخ»، من ضمنها منشأتان تابعتان لوزارة الدفاع الإيرانية في بارشين وخوجير، شرق طهران، وأخرى تابعة للحرس الثوري في شاهرود، التي تبعد أكثر من 200 ميل عن العاصمة الإيرانية، مضيفة أنّ «جميع تلك المنشآت تعد جزءاً من برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني». وأضافت الصحيفة الأميركية أنّ صور الأقمار الصناعية لمنشآت الرادار في أحد المواقع العسكرية في محافظة إيلام، والذي يضم منظومة الدفاع الصاروخي الروسية الصنع «S-300»، المزودة بأنظمة رادار بعيدة المدى مصممة لتوفير الإنذار المبكر، والتي تعد «درّة تاج» الدفاع الجوي الإيراني، ولمنشآت مشابهة في محافظة خوزستان (الأهواز)، الواقعة على مقربة من الحدود العراقية، غرب البلاد تكشف أنّ «الضرر الذي لحق بالدفاعات الجوية الإيرانية فيهما كان ملحوظاً». كذلك، زعم الباحث في «المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية»، فابيان هاينز، أنّ الموقع المستهدف في بارشين يضم «معدّات متخصصة في إنتاج محركات الوقود الصلب التي تستخدمها إيران لتشغيل صواريخها البالستية الأكثر تقدماً». أشار هاينز إلى أنّ الضربات الإسرائيلية على إيران كانت «محدودة النطاق»

وفي حين قلّلت الجمهورية الإسلامية من شأن الضربات، مع تعهدها بالرد، اعتبرت «واشنطن بوست» أنّه «من غير المرجح أن تتحرك الأخيرة سريعاً في هذا الاتجاه»، مضيفة أنّ «إيران ستسعى في المقام الأول إلى إصلاح دفاعاتها الجوية قبل القيام بأي فعل من شأنه أن يدفع إسرائيل إلى شن ضربات إضافية». وفي هذا الصدد، رأى هاينز أن إيران في وضع «دقيق وحرج، كونها تحتاج إلى تجديد مخزوناتها والاستعداد لمزيد من الضربات (المتبادلة) مع إسرائيل»، مضيفاً أنّ الهجوم الإسرائيلي من شأنه أن «يجعل هذا الأمر أكثر صعوبة». ومع ذلك، أشار هاينز إلى أنّ الضربات الإسرائيلية على إيران كانت «محدودة النطاق»، و«غير واضحة الأثر لناحية الأضرار المترتبة عنها». أما المحلل في «مجموعة أوراسيا» للبحوث السياسية والإستراتيجية، غريغوري برو، فرأى أنّ خيارات إيران خلال المدة المقبلة قد تراوح بين «التخلي عن التصعيد العسكري لمصلحة الديبلوماسية، أو «المضي قدماً في تطوير قدراتها النووية كخط أخير للردع» في وجه إسرائيل.
ومن جهتها، وضمن حديثها عن استعدادات إيران للرد على التهديدات الإسرائيلية المتزايدة، علّقت صحيفة «فايننشال تايمز» على توصية حكومة الرئيس مسعود بزشكيان بزيادة الميزانية المخصّصة للإنفاق على الدفاع للعام المقبل بنسبة 200 في المئة، مؤكدة أن الطلب يعكس استجابة طهران للهجوم الإسرائيلي الأخير، وارتفاع مخاطر توسّع الصراع الإقليمي. ولفتت الصحيفة، بالاستناد إلى إحصاءات «معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام»، إلى أنّ إيران احتلت المرتبة الرابعة على مستوى الشرق الأوسط لناحية الإنفاق العسكري في عام 2023، عند مستويات قاربت نصف إنفاق إسرائيل في هذا المجال، لافتة إلى أنّ «إستراتيجية الدفاع الإيرانية ضد التهديدات الأميركية والإسرائيلية تركز بشكل كبير على إنتاج الأسلحة محلياً، لا سيما الصواريخ الباليستية، وإعطاء الأولوية للإبقاء على تحالفاتها مع عدد من الوكلاء الإقليميين».

لغز «شاهرود»
كما توقّفت الصحيفة الأميركية عند ما قالت إنّها «أضرار لحقت بمبنى واحد على الأقل» في منشأة لم تعلن السلطات الإيرانية عن تعرّضها لأضرار، وتحديداً في محافظة سمنان، زاعمة أنّ مركز «شاهرود»، الذي يديره الحرس الثوري الإيراني في المحافظة، قد شمله القصف الإسرائيلي. ولفتت الصحيفة إلى أن الموقع يستخدم في «صب الوقود الصلب المستخدم في تصنيع الصواريخ الباليستية، سواء بنماذجها الحالية التي تصنعها طهران، أو النماذج الأكثر تقدماً العابرة للقارات، والتي لم تطورها إيران بعد». وفي الإطار نفسه، ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أنّ مركز «شاهرود» يستخدم «لتصنيع محركات صواريخ تعمل بالوقود الصلب، يمكن استخدامها في تكنولوجيا الفضاء، فيما يشيع استخدامها أيضاً في مجال الصواريخ الباليستية». وأشارت الصحيفة إلى أنّ «الحرس الثوري عكف خلال السنوات الأخيرة، على تطوير برنامج لتطوير الصواريخ، بشكل منفصل عن برنامج القوات المسلحة الإيرانية»، ناقلة عن الباحث والمتخصص في تحليل الصور في «مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن»، جوزيف بيرموديز، قوله إنّ «تصميم منشأة (شاهرود) يدل على أنها تستخدم لصنع صواريخ تعمل بالوقود الصلب، ومن جملة ذلك إحاطة المبنى المركزي فيها بملاجئ وبساتر ترابي كبير، أسوة بالمباني الأخرى المجاورة له، المحاطة بسواتر مماثلة، وإن أصغر حجماً، قد يكون الغرض منها امتصاص الانفجارات». وشرح مزايا تصنيع الصواريخ العاملة على هذا النوع من الوقود، والذي «يتيح تخرين الصواريخ لمدة أطول، كما يمنحها سرعة أكبر من تلك العاملة بالوقود السائل».
وعطفاً على ذلك، عرّج محللون غربيون على خلاصة تقرير «تقييم التهديدات العالمية لعام 2024»، الصادر عن الاستخبارات الأميركية، إذ تشير إلى أنّ «استمرار إيران في تطوير مركبات إطلاق الأقمار الصناعية من شأنه أن يقصّر الجدول الزمني اللازم لها لتصبح قادرة على إنتاج صاروخ باليستي عابر للقارات» لأنه يستخدم تقنية الوقود الصلب. وبحسب هؤلاء، فإنّ الخطر بالنسبة إلى تل أبيب وواشنطن يكمن في أنّه يمكن تحميل الصواريخ الباليستية العابرة للقارات الأسلحة النووية، علماً أن إيران تخصّب اليورانيوم حالياً ضمن المستويات التي يتطلبها تصنيع هذا النوع من الأسلحة، بعد انهيار اتفاقها النووي مع القوى العالمية، وفقاً لما ألمحت إليه الوكالة الدولية للطاقة الذريّة في غير مناسبة.