ليس من السهولة بمكان أن يجمع المبدع بين السرد والنقد، والقصة القصيرة والشعر، لكن الناقد والأديب د. يوسف حطّيني، استطاع أن يحمل على كاهله هذه العناوين كلها، منطلِقاً من أنه لا يوجد ما يمنع هذا الأمر لمن كان يمتلك أدواته.
    وفي حواره مع «البيان» يؤكد حطّيني المولود في دمشق عام 1963، والمحاضر في قسم اللغة العربية وآدابها- جامعة الإمارات العربية المتحدة، أن الإبداع هو إنشاء شيء على غير مثال سابق، معتبراً أن محاكاة النموذج لن يخرج من كونه تقليداً خارج إطار الإبداع.

    ويعرج حطّيني،- الحائز المركز الثالث في جائزة الشارقة لنقد الشعر العربي المعاصر- على واقع السرد في الإمارات، مؤكداً أنه يتطور باستمرار مستفيداً من تدفق المذاهب الأدبية واستيعابها.

    كتبتَ القصة القصيرة ومن ثمّ الرواية والدراسات والنقد، كيف يمكن للأديب أن يجمع بين صور متعددة من الإبداع؟

    إنّ الإبداع في مجالات أدبية وفنية متعددة ليس أمراً جديداً على الثقافة..إن التنوع يشتت بعض الأدباء، ولكنه لا يشتت المبدعين الحقيقيين. أما بالنسبة لي شخصياً فقد بدأت شاعراً ثم قاصاً، قبل أن أدخل مجال النقد الأدبي بحكم تكويني الأكاديمي، وقد لحقتْ ذلك كتابةُ المقامات والكتابة الروائية، وأرجو أن أكون قد وفّقت في جزء من ذلك. ولا أجد ما يمنع أن ينوّع المبدع في مجالات الكتابة في أي جنس أدبي إذا كان يمتلك أدواته ومفاتيحه.

    قدّمت مجموعتين من القصص القصيرة جداً، ومثلهما من القصائد القصيرة جداً، إلى جانب كتابين نقديين في القصة القصيرة جداً؟
    نعم، لقد قدمت مجموعتين في القصص القصيرة جداً هما «ذماء» و«جمل المحامل»، ومجموعتين في القصيدة القصيرة جداً هما «بنفسجة في سحابة» و«نجمة في سماء الجليل»، كما قدمت كتبابين نقديين في القصة القصيرة جداً، وآخر في نقد القصيدة القصيرة جداً، وحاولت من خلال هذا الجهد التنظيري والتطبيقي أن أسهم مع آخرين، خاصة في سوريا ثمّ المغرب، في ترسيخ نظرية الأدب الوجيز أو الكتابات الشذرية. ولا بد لي هنا من إيضاح أمرين:
    الأمر الأول أنّ الأجناس الأدبية تتجاور فيما بينها، وليس ثمة جنس أفضل من جنس آخر. والأمر الثاني هو أن الأدب الوجيز ليس ناتجاً من نواتج عصر السرعة.

    النقد ليس بخير
    كتبت عن القصة القصيرة والرواية في الإمارات، وعن الرواية العربية عموماً. كيف تنظر إلى واقع السرد العربي حالياً بشكل عام، وواقع القصة والرواية في الإمارات بشكل خاص؟
    الرواية العربية والقصة القصيرة بخير، السرد العربي عموماً بخير، ولكنني لا أميل إلى تقسيم الإبداع إلى أُطر جغرافية، لذلك من الأفضل القول: إن السرد العربي بخير لأن هناك مبدعين قادرين على تطويره وحمل لواء التجديد فيه، بغض النظر عن انتماءاتهم القطرية. ثمة كثير من الزّبَد، ولكنّ القليل المبدع قادر على الانتقال للأجيال القادمة ليتابعوا مسيرة الإبداع. أمّا الذي ليس بخير فهو النقد العربي.

    أما بالنسبة للشقّ الثاني من سؤالك فإنّ واقع السرد في الإمارات يتطور باستمرار، على الرغم من ضيق الإطار الزمني الذي سار فيه هذا السرد. وقد أفاد الإماراتيون من تدفق المذاهب الأدبية في ذلك الإطار الزمني المحدود واستوعبوها، فجاءت كتاباتهم متنوعة ومتغايرة، وهي مرشحة للتطور باستمرار.

    كيف تنظر إلى الدعم الذي تقدّمه الإمارات للمبدعين والأدباء؟ وما تقييمك للجوائز العديدة التي تقدّمها الدولة في مختلف المجالات؟
    بكلّ موضوعية أقول: إن الدعم الذي تقدمه الإمارات للمبدعين دعم حقيقي وفاعل ومستمر، فهناك دور النشر التي تهتم بالعمل الإبداعي، وورشات العمل التي تدرّب المبدعين ليسيروا خطوات إلى الأمام، وهناك الجوائز المتعددة التي تمنحها المؤسسات الثقافية في الإمارات للمبدعين، وغير ذلك من المحفِّزات. ومن الجدير ذكره أن هذه الجوائز، خاصة الكبرى منها، تشجّع المبدعين وتفتح أمامهم طريق الشهرة. وربّما كان على كثير من الدول العربية أن تحذو حذو الإمارات في هذا المجال.