تقديراً لرائعة الكاتب الفرنسي موليير «مريض الوهم» تمتزج الأضواء بالأحلام، وتتجلى براعة المخرجة زينب الملا في إحياء نص معد إنتاجه باحترافية باللهجة الإماراتية وطابع محلي كوميدي تحت عنوان «علة بلا دواء» كأداة للنقد والإصلاح لعوالم مليئة بالتناقضات والفانتازيا المبهجة للأقنعة وسمات الطراز الباروكي. وذلك في فضاء مسرح مهرجان دبي لمسرح الشباب في دورته الـ15 بتقنيات عالمية وللفنون الأدائية المسرحية من فرقة «ربع قرن للمسرح وفنون العرض».

    حبكة إماراتية

    من خلال الحبكة والشخصيات، ينكشف لنا عالم مليء بالتناقضات والضحك، حيث يلتقي الوهم بالواقع لينسج حبكة استثنائية الفصول كقصيدة مرئية، تتراقص عبرها الأضواء وتتمايل ظلال السينوغرافيا لتكشف عن أعمق خفايا النفس البشرية. حيث استطاعت زينب الملا، بخيالها الخصب، إدارة الفضاء المسرحي بتوازن مدروس الإيقاع، باللهجة المحلية وسماتها من خلال الأسماء واستخدام فكرة «المداوي» بالأعشاب الشعبية كخيار للنص المقتبس من مسرحية «مريض الوهم» للكاتب الفرنسي موليير.

    مريض الوهم

    ووسط أداء راقص مفعم بفنون الأداء الاستعراضي على إيقاع الطبول الملحمية، تبدأ المسرحية بمشهد جلوس «خلفان» وقام بدوره الممثل عبدالله محمد صالح على كرسي، ويمثل الشخصية المحورية التي تدور حولها الأحداث. وتكشف شخصيته عن عمق التناقض الإنساني في البحث عن الأمان في أماكن غير موثوقة. فهو توهم المرض ويعيش في دوامة من العلاجات اليومية.

    وفي مشهد آخر تظهر الخادمة «توانيت» الممثلة نوال محمد، التي كانت دائماً ما تسخر من سيدها ومن مرضه الكاذب تمثل صوت العقل في النص، عبر محاولاتها الذكية لإخراجه من الوهم، وأن الممثل علي الملا في شخصية المداوي «بو زعتور» وكاتب العدل، وقام بدوره الممثل محمد مولي، مخادعان ومتآمران على سلبه ثروته.

    زواج بالإكراه

    وفي تصاعد درامي ممزوج بالكوميديا الساخرة عزز حضور زوجة خلفان «بالين»، الممثلة رنيم حمدي، من سيطرة أوهام المرض عليه كونها أيضاً تسعى إلى السيطرة على ثروته، إضافة إلى رغبتها في التخلص من ابنته «سحر»، فأقنعته بتزويجها ومن ثم تستولي على كافة أمواله.

    وتتمثل حبكة على الصراع بين خلفان ومرضه الوهمي الذي يدفعه لإرغام ابنته سحر على الزواج من ابن «أبو زعتور»، وقام بدوره أيضاً من خلف قناع وأزياء مختلفة الممثل محمد مولي، بتوصية من زوجته «بالين» وطبيبه «المداوي»، مما يكشف عن هوسه المرضي وتعامله المادي مع الحياة.

    في الوقت نفسه، تضاعف زوجة الأب رعايتها وتدليلها له، فيرسل في طلب كاتب العقد ليسجّل حرمان ابنته من الميراث لصالح زوجته وتفشل جميع الجهود أمام عناد الأب، فيلجأ أخوه «بيرالد» الممثل محمد بسيوني، والخادمة «توانيت» إلى حيلة فعّالة ويقنعان «خلفان» بتصنّع الموت ليختبر عواطف كل من زوجته وابنته نحوه؛ أمّا الزوجة فتظهر فرحتها في وقاحة، وأمّا الابنة «سحر» فيستبد بها الهلع والقلق الصادق نحو أبيها وتعدل مخلصة عن مشروع دراستها للفنون المسرحية في سبيل تحقيق رغبة والدها.

    سقوط الأقنعة

    تتجلى براعة الممثلين في تجسيد الشخصيات، حيث نجحوا في خلق عالم ينبض بالحياة والسخرية. كل حركة، كل كلمة، كانت جزءاً من نسيج متكامل يروي قصة تتأرجح بين الضحك والتأمل.

    تجربة بصرية

    نجحت السينوغرافيا باحترافية في تجربة بصرية وسمعية تأسر القلوب والعقول، ما جعل كل شخصية تشع بألوانها الخاصة، وكل مشهد يترك أثراً لا ينسى عبر الاستخدام الذكي لفكرة الأقنعة والأزياء الفانتازية المستوحاة من الطراز الباروكي.